الكاتب : ريجينا الأحمدية
21 نوفمبر 2023
مقالات
بعد ظهور وباء كورونا عام 2019 في مدينة ووهان الصينية وتفشيه عام 2020 ليصبح جائحة عالمية، شعر البشر بأنهم محاصرون إلى حدّ السجن.
لكن ضمن هذه النقمة فرضت #الحضارة_الرقمية نفسها منقذاً ومخلصاً. إذ بدأ العمل والتعلم عن بُعد إلى أنّ أصبح هذا النمط طبيعياً. وأخذ يتبلور بمختلف الأشكال، منها مقابلات عمل مطوّلة عبر #الإنترنت، ظهور #تطبيقات_إلكترونية مختلفة الأسماء والإحداثيات وحتى اللقاءات العائلية أخذت مكاناً لها على ال WhatsApp أو الZoom وغيرها من التطبيقات التي تسمح بالتواصل صوتاً وصورةً.
إذاً دخل كل فرد فضاء #التكنولوجيا بحسب قدراته وإمكانياته. ولم يتوقف العالم، بل برمج الشخص نفسه مهنياً، من داخل منزله ملتزماً بدوام العمل و"بالبيجاما". وقد وصف بعض الموظفين المرحلة لموقع "سايبرأكس"، "بالرفاهية الهادئة المنتجة".
يبدأ يوم المهندسة في شركة موريكس نور عسّاف ، الساعة التاسعة صباحاً، لتباشر فوراً بعملها، مؤكدةً أنّ زيادة إنتاجيتها لم تكن بسبب العمل عن بُعد ووجودها بمفردها في المنزل "بل هو قرار شخصي يقضي بالإستمرار بالعمل حتى بعد الدوام لأنني متفرغة ولا أريد أن أشعر بالملل". ورغم إلتزامها ونشاطها إلا أنّه لم يخلى الأمر من التعقيدات فبرأيها "التواصل المباشر مع فريق العمل يسهل توصيل المعلومة بشكل أوضح وخاصة ضمن مجالنا حيث الوقوف أمام الزملاء والتعاطي معهم شخصياً أمر ضروري". ولكن الحجر المنزلي، فرض نفسه أمراً واقعاً لمدة سنة، أُجبرت خلالها على القيام بكل الإجتماعات عبر #الإنترنت. فهل عُكست أي ردات فعل على شخصيتها الإجتماعية؟ تجيب نور قائلة إنّه "سابقاً كنت أمرّر أيام أعمل خلالها من المنزل. وعندما فرض علينا وباء كورونا هذا الوضع لمدّة سنة تأقلمت حتى أصبح التواجد بين عدد كبير من الناس أمر مزعج. وبعد العودة بشكل تدريجيّ إلى المكتب شعرت في البداية أنني أخرج من نطاق راحتي وأفضل العودة إلى شاشة الحاسوب والوحدة وإرتداء البيجاما". وقد صرّحت ل "سايبر أكس" بشكل مباشر أنّه "من أقسى سلبيات #الحضارة_الرقمية هي عزلها للإنسان عن مجتمعه وتعليقه بشبكة سيبرانية وحيداً".
ناهد، مراقب جودة
أمّا ناهد وهو مراقب جودة في إحدى الشركات فقد أشار ل "سايبر أكس" إلى ميزات العمل من المنزل، الذي أتاح له تمضية وقت أكثر مع طفلته، "كنت أخرج من المنزل الساعة السابعة صباحاً وأعود الساعة الثامنة مساءً وهو موعد خلود طفلتي إلى النوم. الأمر الذي فطر قلبي كثيراً. أمّا في فترة الحجر المنزلي فلم تفارقني حتى ضمن دوام العمل حيث كانت تقوم بتقليدي جالسة إلى جانبي وحاملة لعبتها اللابتوب". مضيفاً أنّه "بسبب الإلتزام بالمنزل والعمل عن بُعد، قليلاً ما كنت أرتدي ثيابي إنما أبقى غالباً بلباس المنزل وخلال إجتماعات العمل التي كنا نقيمها عبر ال zoom كنت أرتدي قميصاً وأبقي على بنطلون البيجاما، فقامت إبنتي بتقليدي أيضاً وتفاجأنا بها في إحدى الأيام وهي مصرة على حضور صفها دون تغيير لباس نومها. فأصبحت حذراً أكثر في هذا الموضوع". وبالنسبة لقدرة الموظف على التواصل مع زملائه ورؤساءه فقال ناهد ل "سايبر أكس" إنّه كان يفتقد إلى معدات العمل "التي كانت متوفرة داخل الشركة فقط، كما واجهنا ضغوطاً بسبب عدم قدرتنا على التواصل مباشرة أو أقله عبر #الإنترنت بسهولة. وفيما يخص الإنتاجية، فقد حافظت على المعدل نفسه". ويضيف بفخر "لقد سمحت لي فترة الحجر بالتعرف على نفسي أكثر إذ اكتشفت هواياة جديدة كالإهتمام بالزراعة وركوب الدراجة الهوائية".
وتوجهت "سايبر أكس" إلى مالكي الأعمال وسألتهم عن إنتاجية الموظف خلال فترة العمل عن بُعد والتي مازالت مستمرة. فأفادنا السيّد بدوي أنطونيوس الدرجاني مالك شركة إستيراد وتصدير وشريك في شركة تنظيم مناسبات في منطقة الخليج العربي أنّه لم يواجه أي مشكلة مع إنتاجية موظفيه "لاحظت أنّ بعض الموظفين كانوا يعملون حتى في أيام عطلهم". مضيفاً أنّ "دوام العمل داخل المؤسسة يشمل وقت ضائع يقضيه الموظف محتسياً للقهوة ومحدثاً زملائه، على عكس تواجده وحيداً وفي مكان راحته أي المنزل". والسيّد بدوي من الأشخاص الذين لا يحبذون العمل دائماً من المكتب وأسلوب عمله يقوم على الإجتماعات خارج الشركة "إمكانيّة تحرك الموظف خارج المكتب تعطيه مزيداً من النشاط كما أننا لا نلزم الموظف بلباس رسميّ" مشدداً على "لزوم وإيجابيّة الإجتماعات بشكل مباشر داخل مكان العمل من فترة إلى أخرى فلا غنى عن الإلتقاء بالموظف وجهاً لوجه وهذا شيء لا تعوّضه العولمة والبرامج والتطبيقات عن بُعد".
وأكّد الأستاذ سايد يمّين، مدير عام وصاحب شركة Advanced Integration Technologies ل "سايبر أكس"، أنّ "إنتاجية الموظف لم تتأثر بأسلوب العمل عن بُعد. واستخدام أجهزة التواصل المرئية والمسموعة ضمن عملنا ليس جديداً وأساسي بين طاقم الشركة وبيننا وبين الشركات العالمية"، مشيراً إلى أنّه قام بتوظيف أشخاص جدد داخل المؤسسة تمت مقابلتهم عبر #الإنترنت. لكنه فضل أن تكون المقابلة الأخيرة وجهاً لوجه "لأن دِقّة التقييم المباشر لا تستطيع أن توفره الإتصالات المرئية".
سايد يمّين، مدير عام وصاحب شركة Advanced Integration Technologies
نشأت جيل جديد أمام لوحة رقمية.
وللأمهات والأساتذة وطلاب المدارس حصة بالتعبير عن رأيهم بما يخص التعَلُم عن بُعد. وقد اكتشفت "سايبر أكس" من خلال إستطلاع أجرته لمعرفة وجهة نظر الأساتذة والطلاب من عمر ثمانية سنوات وما فوق، أنّ أغلبيتهم متخوفون من العام الدراسي الجديد بعد إكمالهم لسنة دراسية على #الإنترنت. وأتت إجابات الطلاب بأنهم كانوا يفهمون الشرح والمطلوب منهم، إنّما يفضلون التواجد داخل حرم المدرسة وتلقي الشرح بشكل مباشر من الأساتذة. ونفسياً لا يشعرون أنهم مخوّلون للإنتقال إلى صف أعلى. كما أنّ 66.7 % من الطلاب لم يحبّ نظام التعلم عن بُعد. و50% واجهوا صعوبات باستخدام التطبيقات.
وصرّح بعض الطلاب بأنهم لم يلتزموا بالضوابط التي كان يفرضها التواجد داخل الصف فأتت إحدى الإجابات على الشكل التالي "كنت أستيقظ قبل دقيقتين من الحصّة. وكنت أتنقل من غرفة إلى أخرى حاملة الهاتف، إضافة إلى أنني كنت أتناول كل ما يحلو لي". وآخرون أكدّوا على أنهم كانوا يرتدون ثياب مريحة ولم يكن لديهم مكان محدد للدراسة.
أمّا الأساتذة فقد أكّدوا بدورهم على أهمية عودة التلامذة إلى المدارس ومن الأجوبة التي حصلنا عليها "تجربة التعليم عن بُعد لها حسناتها لكنها لا تضاهي التعليم المباشر". والتعليم لا يقف فقط على شرح الدروس وتلقين المواد إنما يلعب دوراً أساسياً بتنشئة التلميذ وتربيته "لا نستطيع أن نستغني عن التعليم الحضوري لأنّنا بحاجة إلى التواصل المباشر مع التلميذ وللتقييم الفوري له والاستماع الى الآراء المختلفة ومعرفة درجة فهم المواد من خلال التعابير التي تظهر على وجهه، كما نحتاج إلى دراسة شخصيته من خلال المراقبة المباشرة لتهذيب أو بلورة سلوكه". وأشار بعض الأساتذة إلى أنّ نسبة تركيز الطلاب إنخفضت في حين قال آخرون إنّ "قدرتهم التركيزية زادت لأن الأمر جديد عليهم وكل جديد مرغوب".
ومع تواجد الأولاد في المنزل وممارسة كل أساليب حياتهم داخل مكان واحد، لا بدّ أنّ يُشكل ضغطاً على الأمهات خاصة العاملات منهن واللواتي أفصحنا ل "سايبر أكس" عن صعوبة المرحلة مشيرات إلى أنّ "تسيير #الحضارة_الرقمية لأمور الحياة من بين أربعة جدران خرق النظام الذي تعودنا عليه منذ سنين، حيث كان لكل عمل مكان والمنزل للراحة ولإجتماع العائلة. الآن أصبح المنزل لكل شيء ولا مكان للراحة". وعن خوفهنّ على مستقبل أولادهنّ، أفادت 75% منهن بأنه لديهنّ تخوف كبير. ومن الأجوبة التي حصلنا عليها "جوّ المنزل لا يتشابه مع جوّ المدرسة الذي يفرض الإنضباط على التلميذ. وإنتقالهم إلى صف أعلى، أمر واقع لكن عالي الخطورة خاصة مع إختصار المواد وإلغاء بعضها وحالة الفوضى التي كانت تجري على تطبيقzoom ". ولأن بداية انتشار الهاتف المحمول وجهاز الحاسوب بين أيدي الأطفال يتعلق بتطبيقات الألعاب ومشاهدة الفيديوهات على يوتيوب لا بُد من اختلاط الأمر عليهم وعدم القدرة على التوفيق بين فكرة الدراسة واللعب على هذا الجهاز وهذا ما أشارت إليه إحدى الأمهات مجيبة بأنه "إنزعجت من تمضية أبنائي للوقت بين الحصص على الألعاب بسبب وجودها بين أيديهم على الألواح الرقمية".
وأخيراً تعتبر "سايبرأكس" ومن وجهة نظر متخصصيها، أن رغم التسهيلات التي قدمت وما زالت من قبل #التكنولوجيا والإنترنت، إلا أننا في حالة فوضى رقمية، بسبب عدم قدرة كثر على الإعدال والتفرقة بين الحياة الواقعية وتلك الإفتراضية، إضافة إلى عدم جهوزية البعض لحماية أنفسهم سيبرانياً، الأمر الذي خلط الضوابط والعادات لينبثق عنه آفات كثيرة. ورغم تخطي مرحلة العمل والتعلم عن بُعد وانصهار المجتمعات في حياة جديدة وصفت بال “hybrid” إلا أننا لا زلنا نواجه العديد من المشكلات الرقمية التي تطلب حلا سريعاً والتزاماً بشرياً بكل ما ينص عليه #الأمن_السيبراني كي نتمكن من الإستمرار في عالم العولمة الجديد.
كل مرحلة من التجدد والتغيير تحتاج لشهور وسنوات أو ربما لعقد من الزمن، كي تتغلغل في حياة الإنسان دون أن تحدث صدمة أو تُخلّف أزمات للتأقلم معها. ولم يحدث اختراق العولمة لحياتنا بليلة وضحاها، إنّما فُرض اعتمادنا على هذه التقنية السريعة الجديدة من أجل الحفاظ على مسار حياتنا ولم نكن محضرين لها على كافة الأصعدة.
ومجتمعاتنا اليوم، لم تعد بحاجة لجهاز كومبيوتر ولمعرفة استخدامه كي تتماشى مع العصر الجديد، إنّما للكثير من الوعي والتوعية على كيفية التعاطي مع حضارات تسكن داخل هذا الجهاز الخفيف لتفادي مخاطر عدة.
0
0
0
0
لتعلق يجب أن تسجل الدخول أولاً
تسجيل دخول