الكاتب : ريجينا الأحمدية
20 مارس 2025
مقالات
أسعدت أوقاتاً سيدي المستخدم، هل تتمتع بيوم سلس، هادئ وحر؟
أعتقد أنك تتوق أو تتمتع الآن بفنجان قهوة تحتسيه بمفردك في مجلسك المفضل بمفردك، تتصفح هاتفك وتُحدق في شاشته... تظن أنك وحدك لكن فعلياً لن تكون بمفردك أبداً في هذه الأيام. لا، ليست نظرية مؤامرة من أفلام الخيال العلمي، بل #واقع_رقمي نعيشه يوميًا... وأنت، ببساطة، وافقت عليه عندما ضغطت "أوافق" دون أن تكلف نفسك عناء القراءة متحججاً بجريدة من الكلمات وكمية من المعلومات الغير مفهومة في اعتقادك...
فالتطبيق الذي طلب صلاحية الوصول إلى الكاميرا، الميكروفون، الموقع، وجهك وربما حتى روحك، هل سألته يومًا لماذا يا سيدي المستخدم؟ الإجابة ببساطة: ليراقبك عن كثب، تحت ذريعة "تحسين تجربتك". آه، يا لها من تجربة محسّنة! أنت لا تعلم أن كل حركة، كل نقرة، كل ثانية تقضيها في مشاهدة فيديو عن طبخ المعكرونة تُسجَّل، تُحلل، وتُباع في سوق لا تعرف مكانه؟
كلما نقرت "قبول الكوكيز"، اعتبر نفسك قد قدّمت جزءًا من وعيك على طبق من ذهب. الكوكيز ليست فقط ملفات صغيرة، بل جواسيس رقمية بمرتبة شرف.
ولنكن واضحين، في هذا العصر، إذا لم تدفع ثمن المنتج، فأنت المنتج. بياناتك تُباع لشركات تعرف عنك أكثر مما تعرفه والدتك. تعرف متى تنام، متى تغضب، ماذا تحب، وماذا قد تشتري إذا تمت استثارتك نفسياً. والأجمل؟ تُستخدم هذه البيانات لتُعرض لك الإعلانات التي تُقنعك بأنك بحاجة إلى "سجادة ذكية" أو "فرشاة أسنان بتقنية #الذكاء_الاصطناعي". لكن هناك ما هو أعمق، كالشركات الضخمة وربما جهات حكومية، تستخدم هذه البيانات في التوجيه، التلاعب، وربما حتى صناعة رأيك السياسي.
فهل قرأت عن Cambridge Analytica؟ عذراً كيف ستقرأ وأنت لم تتطلع على شروط قد تكون حذرتك وهددت خصوصيتك وبالرغم من ذلك ضغط على "موافق" و"على العمياني".
لنعود إلى Cambridge Analytica، (الآن سنتوجه إليك بعزيزي القارئ لأنك إذا وصلت إلى هنا فترقيت من مرحلة المستخدم إلى مرحلة القارئ)، إذا لم تقرأ عنها فأنت تفوّت العرض الحقيقي، فهذه الشركة قامت بجمع بيانات ملايين #المستخدمين عبر فيسبوك واستخدمتها لتوجيه الإعلانات السياسية بطريقة شديدة الإستهداف أثرت على نتائج انتخابات كبرى مثل الرئاسة الأميركية عام 2016. ولم يقتصر على أميركا فقط، فقد ظهرت نفس الأساليب في استفتاء خروج بريطانيا(Brexit) وانتخابات البرازيل والهند حيث تم استهداف الناخبين برسائل تثير مخاوفهم أو تهدد آمالهم وكل حسب بياناته، كما أشارت تقارير كثيرة إلى استخدام أدوات مشابهة في منطقتنا العربية، من خلال توجيه حملات سياسية رقمية تستهدف فئات عمرية أو مناطقية محددة، بإعلانات مشحونة بالعاطفة أو الهوية الدينية لإحداث تأثير ملموس على اتجاهات التصويت.
عزيزي القارئ، نحن لا نتحدث عن فرض أوامر، بل عن ترسيخ قناعات. تُعرض عليك الأخبار التي تُغضبك أو تُرضيك، حسب الحاجة. تظن أنك تفكر بحرية؟ حسنًا، الخوارزمية تضحك في الزاوية.
كل ما تراه عبر #الإنترنت مُفلتر ليُناسبك، أو بالأحرى ليُناسب الشخص الذي يريدونك أن تكونه. تعتقد أنك تختار؟ يا صديقي، الاختيار الحقيقي أصبح رفاهية.
تقول "أنا ما عندي شي أخبيه"؟ ممتاز. هذا ما يريده المراقبون. كلما كنت شفافًا، أصبحت هدفًا أسهل. الخصوصية ليست لإخفاء الجريمة، بل للحفاظ على إنسانيتك من أن تُختزل إلى ملف بيانات يُباع ويُشترى.
هل تستخدم VPN؟ هل تمنع الكاميرا؟ هل تراجع صلاحيات تطبيقاتك؟ إذا كانت إجابتك لا، فدعنا نرحب بك رسميًا في نادي الكائنات المكشوفة.
كفى نطيل عليك عزيزي القارئ، لكن ختاماً نريد أن نعيد ونوضح أننا لسنا ضد #التكنولوجيا، بل نحن في قلبها. لكن السؤال: هل لا زالت #التكنولوجيا تخدمنا، أم أننا أصبحنا عبيدًا في مزارع #البيانات؟ ففي عالم يُدار بالذكاء الاصطناعي والخوارزميات، لست وحدك، الهاتف يُراقبك، الساعات الذكية تُراقبك وحتى الثلاجة الذكية تعرف كم بيضة لا زالت بداخلها...
حرية رقمية؟ خصوصية؟ في 2025، كلها أصبحت كلمات من الماضي... إلا إذا قررت الآن أن تستعيد جزءًا من سيطرتك الرقمية بخطوات بسيطة مثل مراجعة صلاحيات التطبيقات، استخدام محركات بحث تحترم الخصوصية، حجب التتبع والكوكيز، تفعيل المصادقة الثنائية، واستخدام VPN موثوق. لا تشارك كل شيء عنك، وقلل اعتمادك على #الخدمات_السحابية لما هو ضروري. وأهم شيء؟ لا تضغط "أوافق" دون قراءة!
بقليل من الوعي، يمكنك حماية بياناتك واستعادة خصوصيتك في عالم يراقبك طوال الوقت.
هل يرن هاتفك؟ لا تقلق، فقط إعلان جديد "مُخصَّص لك" بناءً على ما قلته أو قرأته الآن.
0
0
0
0
لتعلق يجب أن تسجل الدخول أولاً
تسجيل دخول